معركة ديو إحدى المعارك البحرية الفاصلة في التاريخ الإسلامي، والتي لا تقل أهميتها عن معركة ذات الصواري 35هـ / 655م وليبانتو 979هـ/ 1571م، فإذا كانت الأولى بداية للقوة البحرية الإسلامية، فإن معركة ديو مثل ليبانتو، بداية الانحدار التدريجي للقوة الإسلامية على المستوى الدولي.
الصراع الإسلامي البرتغالي
كان توجه البرتغال إلى المحيط الأطلسي ومحاولتهم الالتفاف حول العالم الإسلامي مدفوعاً بالدرجة الأولى بدوافع صليبية شرسة ضد المسلمين، حيث اعتبرت البرتغال أنها نصيرة المسيحية وراعيتها ضد المسلمين، حيث اعتبرت قتال المسلمين ضرورة ماسة وصارمة ورأت الإسلام هو العدو اللدود الذي لابد من قتاله في كل مكان.
في ذلك الوقت بدأت أوروبا عصر الاكتشافات الجغرافية، وكانت البرتغال في مطلعها بفضل الأمير هنري الملاح الذي اهتم كثيرا بتطوير قدرات بلاده البحرية، والسعي لاكتشاف الطرق البحرية الجديدة والعالم الجديد، فبدأت الاستكشافات تتوالى، حتى أن ملك البرتغال عمانويل الأول أعلن أهداف الحملات البرتغالية قائلًا: "إن الغرض من اكتشاف الطريق البحري إلى الهند هو نشر النصرانية والحصول على ثروات الشرق".
وهكذا يظهر للباحث المنصف أن الدافع الديني للكشوف البرتغالية كان من أهم العوامل التي دفعت البرتغال لارتياد البحار والالتفاف حول العالم الإسلامي، كما كان الدافع الاقتصادي في الدرجة الثانية عاملًا مؤثر في سير الكشوف الجغرافية البرتغالية، فقد سهل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام 904هـ/ 1497م بواسطة فاسكو دي جاما مهمة وصول منتجات الشرق الأقصى للأسواق الأوروبية دون الحاجة إلى مرورها عن طريق مصر.
وبدأت البرتغال تتوسع تدريجيا من غرب إفريقيا إلى شرق أفريقيا وتقيم موانئها في الجزيرة العربية، وأنشأوا سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندي بين سنتي (1500م و1505م)، كما استولوا على مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي عام 1507م، ومنه اتجهت البرتغال إلى غرب الهند لتقيم رؤوسا تجارية لها وتبدأ في تغيير الخريطة التجارية الدولية بشكل مفاجئ [1].
اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح
وفي هذه الأثناء قبع المماليك في مصر في حالة من الفوضى وسوء الإدارة، وكانوا آنذاك في موقف لا يحسدون عليه حيث أصابهم الوهن الاقتصادي والسياسي وانشغل السلاطين بمشاكلهم الداخلية ومجابهة الدولة العثمانية وقمع نشاط الفرسان الإسبارتية في شرق البحر الأبيض المتوسط. ولهذا واجه السكان في الساحل الأفريقي والخليج واليمن مصيرهم بأنفسهم، فهاجموا الحاميات البرتغالية في كل مكان، في شرق أفريقيا وفي مسقط والبحرين وقريات وعدن، ولكن دون جدوى لاختلاف ميزان القوى
كما كان المماليك معتمدين على الدور التجاري الهام لمصر في طريق التجارة الدولية، وعلى تحالفها التقليدي مع الجمهوريات التجارية الهامة في إيطاليا، على رأسها البندقية، التي كانت تقبل في ذلك الوقت العملة المصرية وتتداولها نظرا للترابط التجاري مع مصر، حيث كانت التجارة الشرقية تمر عبر الهند ومنها إلى البحر الأحمر ومن بعده عبر الجمال إلى موانئ البحر المتوسط ثم إلى أوروبا.
ولكن التجارة صارت في خطر كبير بعدما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، وسعوا لجعله الطريق الأساسي لمرور تجارة الحرير والتوابل منه إلى أوروبا، وأصبحت الدولة المملوكية في مصر في خطر استراتيجي كبير خاصة بعدما استولى البرتغاليون على مدينة سومطرة في مدخل البحر الأحمر، وأصبحت تجارتهم في خطر؛ ولكن المماليك لم يكونوا وحدهم مهددين من هذه التطورات، بل إن الدولة العثمانية الفتية التي كانت تستعد لترث الخلافة الإسلامية تأثرت هي أيضا بسبب فرضية تغيير مسار التجارة الدولية؛ لأن الطريق الجديد أصبح يهدد الطريق البري التقليدي للتجارة نفسها من الصين إلى أوروبا.
وهنا تلاقت مصالح هذه الدولة مع الدولة المملوكية في مطلع القرن السادس عشر ومعهما الجمهوريات التجارية الأوروبية، فضلا عن جمهورية كجرات في شمال شرقي الهند، التي بدأت تعاني من التهميش البرتغالي بعد أن كانت تجارتها مزدهرة، وبدا من الضروري إيجاد تسوية لهذه المشكلة الحقيقية التي باتت تهددهم جميعا [2].
التحالف الإسلامي ضد البرتغال
شعر المماليك بالمسؤولية على الرغم من المشاكل التي كانت تعيشها دولتهم، وبذلوا ما في استطاعتهم للحد من وصول البرتغاليين إلى الأماكن المقدسة، وكان الحل الوحيد أمام تلك القوى الإسلامية هو الاتحاد، خاصة بعدما أوفدت البندقية مراسيلها لبناء هذا التحالف، وأبدت استعدادا كبيرا للمساهمة في النشاط العسكري للتخلص من الخطر البرتغالي الجديد، وتم إرسال السفن الحربية إلى مصر بمساعدة البندقية والدولة العثمانية، وبالفعل وصلت السفن إلى موانئ البحر المتوسط وتم تفكيكها، ومنها إلى البحر الأحمر.
فقام السلطان قانصوه الغوري سلطان المماليك بإعداد حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين، وأسند القيادة إلى حسين الكردى Mirocem نائب السلطان في جدة، وأبحر حسين الكردي على رأس قوته في عام 1505م للبدء في مراقبة البرتغاليين، وفى عام 1508م عقد السلطان قانصوه الغوري حلفا مع محمود بغارها سلطان غواجرت (جمهورية كجرات)؛ للقضاء على التدخل البرتغالي في التجارة بين الهند والبحر الأحمر.
معركة شاول أو موقعة غوا البحرية
كانت الحملة البحرية التي أرسلها السلطان قانصوه الغوري بقيادة حسين الكردي مكونة من ثلاثة عشرة سفينة عليه ألف وخمسمائة رجل، وقد جاءت المبشرات الأولية إيجابية للأسطول المملوكي؛ فقد توجه الكردي إلى مالابار Malabar بساحل الهند وأرسى سفنه في مرفأ ديو، ثم قام حسين الكردي بالبحث عن السفن البرتغالية فالتقى بها على مدينة غوا على ساحل مالابار.
ودخل الأسطول المملوكي في معركة هامة للغاية مع البرتغاليين عرفت تاريخيا باسم معركة شاول CHAUL، أو موقعة غوا Goa غرب الهند وتطل على بحر العرب في الغرب، وذلك في عام 914هـ/1508م وكانت النتيجة هزيمة القوة البحرية البرتغالية التي كان يقودها لورنزو ابن الوالي البرتغالي فرانسيسكو دي ألميدا الذي قتل في المعركة، وهو ما جعل والده مصمما على الثأر له بكل ثمن إلى الحد الذي دفعه لرفض قرار ملك البرتغال بتغييره ووضع حاكم برتغالي جديد بدلا منه، وذلك لحين الثأر لابنه [3].
معركة ديو البحرية
هكذا أصبحت المعركة الفاصلة مسألة وقت بين البرتغاليين والتحالف المملوكي العثماني والكجراتي البندقي.
فبعد الانتصار في معركة شاول عاد الأمير حسين الكردي إلى مرفأ جزيرة ديو الواقعة في المحيط الهندي، على الساحل الهندي الغربي شمالي غربي بومباي؛ وأقام فيه يريد أن ينتهي موسم الأمطار ليعود إلى مصر.
لكن البرتغاليين بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا أقدموا على احتلال عدد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندي في أول عام 1509م ومنها غوا ودابول. وفى 915هـ / فبراير 1509م اكتشف فرانسيسكو وجود أسطول المماليك والتحالف الإسلامي قرب ديو، فشن هجومًا فوريًّا أدى إلى تدمير الأسطول الإسلامي، فاضطر الأمير حسن الكردي إلى العودة إلى جدة بمن بقي معه، وكان هذا الانتصار البرتغالي له أكبر الأثر في رسو قدمهم على سواحل الهند واستيلائهم على مدينة ظفار، علما أن الأسطول البرتغالي بقي يلاحق الأسطول المملوكي إلى جدة.
وقد كانت المعركة في حقيقة الأمر محسومة لصالح البرتغاليين رغم التفوق النسبي في عدد السفن والمقاتلين لصالح المماليك، وذلك لأن البرتغاليين كانوا أكثر تقدما في بناء السفن والتكتيكات البحرية من نظرائهم المصريين أو حلفائهم من الهنود والعثمانيين، كما أن البحرية المملوكية لم تكن لديها القدرة على التفوق التكتيكي بسبب غياب المدفعية الثقيلة لأسباب مرتبطة بحجم السفن وهيكلها، وهو ما أعطى البرتغاليين التفوق الكامل، خاصة بعدما لجأ المماليك لمحاولة البقاء بالقرب من الشاطئ اعتمادا على غطاء المدفعية التي توفرها القاعدة العسكرية لميناء ديو في مواجهة التفوق البرتغالي.
ولكن هذا أفقد الأسطول المملوكي القدرة على المناورة وتركه فريسة في أيدي ألميدا الذي استغل الظروف بقوة من خلال تنفيذ المناورات التي سمحت له بإنزال قواته في ميناء ديو ودحر القوات المتحالفة وهزيمتهم هزيمة منكرة، وقام بأسر ما استطاع من المماليك وقام بحرقهم والتنكيل بهم ثأرا لمقتل ابنه، واستولى على المدينة، ولكنه رفض إخضاعها لحكمه للتكلفة العالية للإبقاء عليها، ولكنه خلق منها حليفا بعدما أبقى تشكيلا عسكريا فيها، ولكنه أخذ منها ما يقرب من 300 ألف قطعة من الذهب ثمنا للهزيمة [4].
نتائج معركة ديو البحرية
لقد أدت الهزيمة الثقيلة في معركة ديو البحرية إلى نتائج دولية كبيرة، فلقد انفرد البرتغاليون بطريق التجارة الجديد، مما سمح لهم بأن يمدوا نفوذهم من اليابان شرقا إلى البرازيل غربا، وسيطروا على طريق التجارة الآسيوية بعدما انخفضت أسعار التوابل والمنسوجات الحريرية الآسيوية الموردة إلى أوروبا.
كما أن البرتغاليين بعد معركة ديو 915هـ / 1509م أصبحوا هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى إنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف مكة والمدينة.
وقد نتج عن ذلك أيضا بداية انهيار القوى الأوروبية التجارية، وعلى رأسها البندقية وجمهورية راجوسا وهي ميناء دوبروفنيك اليوم، بينما انحصرت قوة العثمانيين في المتوسط وشرق أوروبا، أما في مصر، فإن هذه الهزيمة عجَّلت بسقوط دولة المماليك، ومثلت نهاية الدور الذي لعبته مصر على المستوى الدولي كقوة عظمى ومن بعدها لم تعد قوة دولية [5].
المراجع
[1] علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص192 – 195، بتصرف. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط، 13 جمادى الأول 1436هـ / 3 مارس 2015م.
[2] أحمد سيد دراج: دراسات في التاريخ المصري، ص114. موقف أوروبا من الدولة العثمانية، ص38. علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص195. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
[3] ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، 4/ 142. علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص195. الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، 13/ 127.
[4] علوي السقاف: الموسوعة التاريخية، موقع الدرر السنية، 7/ 343. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
[5] محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
الصراع الإسلامي البرتغالي
كان توجه البرتغال إلى المحيط الأطلسي ومحاولتهم الالتفاف حول العالم الإسلامي مدفوعاً بالدرجة الأولى بدوافع صليبية شرسة ضد المسلمين، حيث اعتبرت البرتغال أنها نصيرة المسيحية وراعيتها ضد المسلمين، حيث اعتبرت قتال المسلمين ضرورة ماسة وصارمة ورأت الإسلام هو العدو اللدود الذي لابد من قتاله في كل مكان.
في ذلك الوقت بدأت أوروبا عصر الاكتشافات الجغرافية، وكانت البرتغال في مطلعها بفضل الأمير هنري الملاح الذي اهتم كثيرا بتطوير قدرات بلاده البحرية، والسعي لاكتشاف الطرق البحرية الجديدة والعالم الجديد، فبدأت الاستكشافات تتوالى، حتى أن ملك البرتغال عمانويل الأول أعلن أهداف الحملات البرتغالية قائلًا: "إن الغرض من اكتشاف الطريق البحري إلى الهند هو نشر النصرانية والحصول على ثروات الشرق".
وهكذا يظهر للباحث المنصف أن الدافع الديني للكشوف البرتغالية كان من أهم العوامل التي دفعت البرتغال لارتياد البحار والالتفاف حول العالم الإسلامي، كما كان الدافع الاقتصادي في الدرجة الثانية عاملًا مؤثر في سير الكشوف الجغرافية البرتغالية، فقد سهل اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح في عام 904هـ/ 1497م بواسطة فاسكو دي جاما مهمة وصول منتجات الشرق الأقصى للأسواق الأوروبية دون الحاجة إلى مرورها عن طريق مصر.
وبدأت البرتغال تتوسع تدريجيا من غرب إفريقيا إلى شرق أفريقيا وتقيم موانئها في الجزيرة العربية، وأنشأوا سلسلة من المراكز التجارية على الساحل الهندي بين سنتي (1500م و1505م)، كما استولوا على مضيق هرمز على مدخل الخليج العربي عام 1507م، ومنه اتجهت البرتغال إلى غرب الهند لتقيم رؤوسا تجارية لها وتبدأ في تغيير الخريطة التجارية الدولية بشكل مفاجئ [1].
اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح
وفي هذه الأثناء قبع المماليك في مصر في حالة من الفوضى وسوء الإدارة، وكانوا آنذاك في موقف لا يحسدون عليه حيث أصابهم الوهن الاقتصادي والسياسي وانشغل السلاطين بمشاكلهم الداخلية ومجابهة الدولة العثمانية وقمع نشاط الفرسان الإسبارتية في شرق البحر الأبيض المتوسط. ولهذا واجه السكان في الساحل الأفريقي والخليج واليمن مصيرهم بأنفسهم، فهاجموا الحاميات البرتغالية في كل مكان، في شرق أفريقيا وفي مسقط والبحرين وقريات وعدن، ولكن دون جدوى لاختلاف ميزان القوى
كما كان المماليك معتمدين على الدور التجاري الهام لمصر في طريق التجارة الدولية، وعلى تحالفها التقليدي مع الجمهوريات التجارية الهامة في إيطاليا، على رأسها البندقية، التي كانت تقبل في ذلك الوقت العملة المصرية وتتداولها نظرا للترابط التجاري مع مصر، حيث كانت التجارة الشرقية تمر عبر الهند ومنها إلى البحر الأحمر ومن بعده عبر الجمال إلى موانئ البحر المتوسط ثم إلى أوروبا.
ولكن التجارة صارت في خطر كبير بعدما اكتشف البرتغاليون طريق رأس الرجاء الصالح، وسعوا لجعله الطريق الأساسي لمرور تجارة الحرير والتوابل منه إلى أوروبا، وأصبحت الدولة المملوكية في مصر في خطر استراتيجي كبير خاصة بعدما استولى البرتغاليون على مدينة سومطرة في مدخل البحر الأحمر، وأصبحت تجارتهم في خطر؛ ولكن المماليك لم يكونوا وحدهم مهددين من هذه التطورات، بل إن الدولة العثمانية الفتية التي كانت تستعد لترث الخلافة الإسلامية تأثرت هي أيضا بسبب فرضية تغيير مسار التجارة الدولية؛ لأن الطريق الجديد أصبح يهدد الطريق البري التقليدي للتجارة نفسها من الصين إلى أوروبا.
وهنا تلاقت مصالح هذه الدولة مع الدولة المملوكية في مطلع القرن السادس عشر ومعهما الجمهوريات التجارية الأوروبية، فضلا عن جمهورية كجرات في شمال شرقي الهند، التي بدأت تعاني من التهميش البرتغالي بعد أن كانت تجارتها مزدهرة، وبدا من الضروري إيجاد تسوية لهذه المشكلة الحقيقية التي باتت تهددهم جميعا [2].
التحالف الإسلامي ضد البرتغال
شعر المماليك بالمسؤولية على الرغم من المشاكل التي كانت تعيشها دولتهم، وبذلوا ما في استطاعتهم للحد من وصول البرتغاليين إلى الأماكن المقدسة، وكان الحل الوحيد أمام تلك القوى الإسلامية هو الاتحاد، خاصة بعدما أوفدت البندقية مراسيلها لبناء هذا التحالف، وأبدت استعدادا كبيرا للمساهمة في النشاط العسكري للتخلص من الخطر البرتغالي الجديد، وتم إرسال السفن الحربية إلى مصر بمساعدة البندقية والدولة العثمانية، وبالفعل وصلت السفن إلى موانئ البحر المتوسط وتم تفكيكها، ومنها إلى البحر الأحمر.
فقام السلطان قانصوه الغوري سلطان المماليك بإعداد حملة بحرية كبيرة ضد البرتغاليين، وأسند القيادة إلى حسين الكردى Mirocem نائب السلطان في جدة، وأبحر حسين الكردي على رأس قوته في عام 1505م للبدء في مراقبة البرتغاليين، وفى عام 1508م عقد السلطان قانصوه الغوري حلفا مع محمود بغارها سلطان غواجرت (جمهورية كجرات)؛ للقضاء على التدخل البرتغالي في التجارة بين الهند والبحر الأحمر.
معركة شاول أو موقعة غوا البحرية
كانت الحملة البحرية التي أرسلها السلطان قانصوه الغوري بقيادة حسين الكردي مكونة من ثلاثة عشرة سفينة عليه ألف وخمسمائة رجل، وقد جاءت المبشرات الأولية إيجابية للأسطول المملوكي؛ فقد توجه الكردي إلى مالابار Malabar بساحل الهند وأرسى سفنه في مرفأ ديو، ثم قام حسين الكردي بالبحث عن السفن البرتغالية فالتقى بها على مدينة غوا على ساحل مالابار.
ودخل الأسطول المملوكي في معركة هامة للغاية مع البرتغاليين عرفت تاريخيا باسم معركة شاول CHAUL، أو موقعة غوا Goa غرب الهند وتطل على بحر العرب في الغرب، وذلك في عام 914هـ/1508م وكانت النتيجة هزيمة القوة البحرية البرتغالية التي كان يقودها لورنزو ابن الوالي البرتغالي فرانسيسكو دي ألميدا الذي قتل في المعركة، وهو ما جعل والده مصمما على الثأر له بكل ثمن إلى الحد الذي دفعه لرفض قرار ملك البرتغال بتغييره ووضع حاكم برتغالي جديد بدلا منه، وذلك لحين الثأر لابنه [3].
معركة ديو البحرية
هكذا أصبحت المعركة الفاصلة مسألة وقت بين البرتغاليين والتحالف المملوكي العثماني والكجراتي البندقي.
فبعد الانتصار في معركة شاول عاد الأمير حسين الكردي إلى مرفأ جزيرة ديو الواقعة في المحيط الهندي، على الساحل الهندي الغربي شمالي غربي بومباي؛ وأقام فيه يريد أن ينتهي موسم الأمطار ليعود إلى مصر.
لكن البرتغاليين بقيادة فرانسيسكو دي ألميدا أقدموا على احتلال عدد من المواقع الإسلامية على الساحل الهندي في أول عام 1509م ومنها غوا ودابول. وفى 915هـ / فبراير 1509م اكتشف فرانسيسكو وجود أسطول المماليك والتحالف الإسلامي قرب ديو، فشن هجومًا فوريًّا أدى إلى تدمير الأسطول الإسلامي، فاضطر الأمير حسن الكردي إلى العودة إلى جدة بمن بقي معه، وكان هذا الانتصار البرتغالي له أكبر الأثر في رسو قدمهم على سواحل الهند واستيلائهم على مدينة ظفار، علما أن الأسطول البرتغالي بقي يلاحق الأسطول المملوكي إلى جدة.
وقد كانت المعركة في حقيقة الأمر محسومة لصالح البرتغاليين رغم التفوق النسبي في عدد السفن والمقاتلين لصالح المماليك، وذلك لأن البرتغاليين كانوا أكثر تقدما في بناء السفن والتكتيكات البحرية من نظرائهم المصريين أو حلفائهم من الهنود والعثمانيين، كما أن البحرية المملوكية لم تكن لديها القدرة على التفوق التكتيكي بسبب غياب المدفعية الثقيلة لأسباب مرتبطة بحجم السفن وهيكلها، وهو ما أعطى البرتغاليين التفوق الكامل، خاصة بعدما لجأ المماليك لمحاولة البقاء بالقرب من الشاطئ اعتمادا على غطاء المدفعية التي توفرها القاعدة العسكرية لميناء ديو في مواجهة التفوق البرتغالي.
ولكن هذا أفقد الأسطول المملوكي القدرة على المناورة وتركه فريسة في أيدي ألميدا الذي استغل الظروف بقوة من خلال تنفيذ المناورات التي سمحت له بإنزال قواته في ميناء ديو ودحر القوات المتحالفة وهزيمتهم هزيمة منكرة، وقام بأسر ما استطاع من المماليك وقام بحرقهم والتنكيل بهم ثأرا لمقتل ابنه، واستولى على المدينة، ولكنه رفض إخضاعها لحكمه للتكلفة العالية للإبقاء عليها، ولكنه خلق منها حليفا بعدما أبقى تشكيلا عسكريا فيها، ولكنه أخذ منها ما يقرب من 300 ألف قطعة من الذهب ثمنا للهزيمة [4].
نتائج معركة ديو البحرية
لقد أدت الهزيمة الثقيلة في معركة ديو البحرية إلى نتائج دولية كبيرة، فلقد انفرد البرتغاليون بطريق التجارة الجديد، مما سمح لهم بأن يمدوا نفوذهم من اليابان شرقا إلى البرازيل غربا، وسيطروا على طريق التجارة الآسيوية بعدما انخفضت أسعار التوابل والمنسوجات الحريرية الآسيوية الموردة إلى أوروبا.
كما أن البرتغاليين بعد معركة ديو 915هـ / 1509م أصبحوا هم أصحاب السيادة على المياه الإسلامية الجنوبية، حتى إنهم أعلنوا عن عزمهم على قصف مكة والمدينة.
وقد نتج عن ذلك أيضا بداية انهيار القوى الأوروبية التجارية، وعلى رأسها البندقية وجمهورية راجوسا وهي ميناء دوبروفنيك اليوم، بينما انحصرت قوة العثمانيين في المتوسط وشرق أوروبا، أما في مصر، فإن هذه الهزيمة عجَّلت بسقوط دولة المماليك، ومثلت نهاية الدور الذي لعبته مصر على المستوى الدولي كقوة عظمى ومن بعدها لم تعد قوة دولية [5].
المراجع
[1] علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص192 – 195، بتصرف. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط، 13 جمادى الأول 1436هـ / 3 مارس 2015م.
[2] أحمد سيد دراج: دراسات في التاريخ المصري، ص114. موقف أوروبا من الدولة العثمانية، ص38. علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص195. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
[3] ابن إياس: بدائع الزهور في وقائع الدهور، 4/ 142. علي الصلابي: الدولة العثمانية، ص195. الموسوعة الموجزة في التاريخ الإسلامي، 13/ 127.
[4] علوي السقاف: الموسوعة التاريخية، موقع الدرر السنية، 7/ 343. محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
[5] محمد عبد الستار البدري: معركة ديو البحرية، جريدة الشرق الأوسط.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق